مواضيع مفضلة

المتابعين لحد الآن

أخبار عاجلة

الأحد، 16 فبراير 2020

من هو اليتيمُ الذي أوصانا اللهُ به؟

الوصية السادسة: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152] (11)

ذلكم وصاكم به (الوصايا العشر )


﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 1522]، قال في تفسير فتح القدير: "أي: لا تتعرَّضوا له بوجه من الوجوه، إلا بالخَصلة التي هي أحسنُ من غيرها، وهي ما فيه صلاحُه وحِفظه وتنميته، فيشمل كلَّ وجه من الوجوه التي فيها نفعٌ لليتيم، وزيادة في ماله، وقيل: المراد ﴿ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾: التِّجارة، و﴿ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾؛  أي: إلى غاية، هي أن يبلغَ اليتيم أشدَّه، فإن بلغ ذلك، فادفَعوا إليه مالَه؛ كما قال تعالى: ﴿ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ  ﴾ [النساء: 6]، واختُلف في سنِّ الرشد، أو في بلوغ الأشد؛ فالذي عليه أكثرُ أهل العلم أنه سنُّ التكليف مع إيناسِ الرُّشد، وهو أن يكونَ في تصرفاته بمالِه سالكًا مسلكَ العقلاء، لا مسلك أهل السَّفَه والتبذير"؛ اهـ.
فمن هو اليتيمُ الذي أوصانا اللهُ به؟

اليتيمُ في بني آدم مَن فقَد أباه، فإن فقَد أمَّه أيضًا كان يتيم الأبوين؛ كالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأصل اليُتْم: الانفراد، يقال: صبي يتيم؛ أي: منفرد من أبيه، وفقدُ الأب على الأولاد شديد؛ لأنه عائلهم، والسبب في تحصيل رِزقهم وإطعامهم وكسوتهم، وفي تحمُّل أعباء تربيتهم، يحمل عنهم كل مسؤولية؛ ففي الحديث الشريف: ((والأب راعٍ في بيته، وهو مسؤول عن رعيتِه))؛ ففقدُه يسبِّبُ خللاً في البيت لا يُجبَر، ولكن التخفيف عن اليتيم يكون بوجود كافل أو وصيٍّ يقومُ مقام الأب في رعاية هذا اليتيم، والحِفاظ على ماله حتى يبلغ أشدَّه، وله في ذلك ثوابٌ كبير؛ ففي الحديث الشريف: ((أنا وكافلُ اليتيم في الجنة))[1]، هكذا، وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما.

وعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((كافلُ اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتينِ في الجنة))، وأشار بالسبَّابةِ والوُسطى، ومعنى: ((له أو لغيره))؛ أي: قريبه، أو الأجنبي عنه.

ولما نزَلت الآية: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152]، والآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ﴾ [النساء: 100]، قال: انطلَق مَن كان عنده يتيمٌ  فعزَل طعامَه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعَل يفضُل الشيءُ أو يزيدُ عن حاجة اليتيم، فيُحبَس له حتى يأكله، فكان يفسُد، فاشتدَّ ذلك على الصحابة، فذكَروا ما حصل للنبيِّ عليه الصلاة والسلام، فأنزَل الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ [البقرة: 2200]، فخلطوا طعامَهم بطعامهم، وشرابَهم بشرابهم؛ ذكره ابنُ كثير في تفسيره.

وقد ذكَر اللهُ سبحانه وتعالى في القرآن الكريم اليتيمَ في آيات متعددة، كلها توصي به، أو تبيِّنُ رحمةَ الله به؛ لتعويضه عن اليُتم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [البقرة: 833]، فجملهم الله تعالى بالوصيةِ  مع الإحسان للوالدين ولذوي الأرحام والمساكين دون النظرِ إلى حالة اليتامى، من حيث الفقر أو الغنى، وإن كان يغلب عليهم الفقر بسبب فَقْدِ الأبِ، وقال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [البقرة: 2155]، فرغَّب أهلَ  الغنى واليسار بالإنفاق عليه كما ينفق على الوالدين والأقربين والمساكين وأبناء السبيل، ولقد خصص اللهُ تعالى صدرَ سورة النساء في الأيتام وحالهم، والطريقة الحسنة في معاملتهم، وسنفرد لها بحثًا مستقلاًّ، وجعل الله تعالى لليتامى نصيبًا من الغنائم فقال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [الأنفال: 41]، وقال أيضًا: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [الحشر: 77]، ولقد جعَل الله تعالى من صفات المؤمنين أنهم كانوا يحبُّون اليتيم ويطعمونه؛ قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًاوَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 88]، وفي الوقتِ نفسه عاب على أهلِ الجاهلية عدمَ إكرامهم لليتيم فقال: ﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [الفجر: 177]، وهدَّدهم بيوم القيامة وعقباته إن أساؤوا إليه، فقال تعالى: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 - 166]، فلا فَكاك من العقبة إلا  بالإحسانِ إلى اليتيم أو المسكينِ، ولقد ذكَر الله تعالى لُطْفَه باليتيم، ورعايته له، خصوصًا إذا كان والده صالحًا؛ فقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الكهف: 822]،  فحفِظ الله لهما مال أبيهما من الضياع أو عَبَث العابثين فيما لو سقَط الجدارُ وظهر الكنز وهما ما دون الرشد، فأرسل اللهُ لهما الخَضِر مع موسى لإقامة الجدار، فحفظ الكنز بذلك عن الأعينِ، وطمَعِ الطامعين بمال اليتيم.

ولقد أخبَر اللهُ تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم عن يُتمه، وأنه رعاه في يتمه؛ حيث انتَقَل في كفالةِ الأمناء والمحبين له، من جدِّه إلى عمِّه، إلى أن بلغ أشده؛ فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 66]، ثم  أوصاه باليتيم ومحبتِه ورعايته بعد أن ذكَّره بحالته ورعاية الله له، فقال: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 99]، وقد أحبَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم  الأيتامَ عمومًا، وذوي قُرباه خصوصًا، فأوصى بهم؛ فعن أبي هريرة أن رجلاً شكا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قسوةَ قلبِه فقال: ((امسَحْ رأسَ اليتيم، وأطعِمِ المسكينَ))؛ رواه أحمد، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

وأخرج البزَّار عن بشير بن عقربة الجُهني قال: لقيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يومَ أُحد فقلت: ما فعل أبي؟ قال: ((استُشهِد، رحمةُ الله عليه))، فبكيت، فأخذني فمسح رأسي وحملني معه وقال: ((أما ترضى أن أكون أنا أباكَ، وتكون عائشة أمَّك؟))[2]، وعندما بلَغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم - عن طريق الوحي - خبرُ استشهاد قادة معركة مؤتة؛ زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رَوَاحة، انطلق عليه الصلاةُ والسلام إلى بيت جعفر بن أبي طالب، قالت أسماءُ بنت عُمَيس زوجة جعفر: دخَل عليَّ رسول الله وقد دبغت أربعين منيئة[3]، وعجنت عجيني، وغسلت بنيَّ ودهنتهم ونظَّفتهم، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ائتيني ببني جعفر))، قالت: فأتيتُه بهم، فتشممهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي ما يبكيك، أبلَغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: ((أُصِيبوا هذا اليوم))، قالت: فقُمْت أصيح، واجتمع إليَّ النساء، وخرج رسول الله إلي فقال: ((لا تُغفلوا آلَ جعفر من أن تصنَعوا لهم طعامًا؛ فإنَّهم قد شُغلوا بأمر صاحبهم))، مما تقدَّم يتبين لنا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأيتام، والتوجيه إلى حبهم.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/77531/#ixzz6EAhigSfc

تواصل معنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف